الخميس، 27 سبتمبر 2012

ثورات الربيع العربي تواجه زحف الإسلام السياسي



ثورات الربيع العربي تواجه زحف الإسلام السياسي


لم يجد الشباب الذين شاركوا في ثورات الربيع العربي أنفسهم ضمن النخب السياسية التي تصدرت المشهد بعد سقوط الأنظمة، بل وجدوا أنفسهم في مواجهة منابر مساجد تكفّر كل من يخرج عن خطاب الأحزاب الإسلامية التي حصدت أصوات الناخبين.
بعد أن ضاقت الشعوب العربية بطغيان الأنظمة القومية والثورية المستبدة التي أمسكت بالحكم منذ خمسينات وستينات القرن الماضي ثارت على حكامها فيما صار يدعى بثورات الربيع العربي.
أهداف هذه الثورات كانت إقامة أنظمة ديمقراطية في المنطقة، تضمن حرية أكبر للتعبير وشفافية أكثر لتتيح للشعوب انتخاب الحكام والوزراء والنواب ولتصل إلى تطبيق مبدأ فصل السلطات. لكن حين سقطت الأنظمة المتوسمة بالقومية زحفت إلى الواجهة قوى الإسلام السياسي، بشقيه السلفي المتشدد والشق الذي بات يعرف بالوسطي.
الإسلام السياسي وصل إلى السلطة بعملية ديمقراطية، فيما القوى الليبرالية التي تروج لأطروحات الديمقراطية كمشروع أساسي لها لم تعد قادرة على حشد وتعبئة الجماهير.

''الإخوان المسلمون كائن انتخابي''

في النموذج المصري، قطاعات شابة ناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي وأحزاب جديدة نشأت في البلد خلال الأعوام الخمسة الأخيرة أبرزها حركة كفاية والجمعية المصرية للتغيير هي التي قامت بالثورة الجديدة.
لكن افتقارها للتنظيم السياسي الجيد أفقدها القدرة على حشد الأصوات في صناديق الانتخاب. وهذا ما ذهب إليه الصحفي المصري سيد محمود المحرر، الثقافي في صحيفة الأهرام في حديثه من القاهرة إلى DWعربية، مشيراً  إلى أنه في الوقت الذي ''انشغلت فيه القوى السياسية بالصراع على ميدان التحرير وميادين الثورة الأخرى، كانت جماعة الإخوان المسلمين منشغلة ببناء قواعد في المحافظات والاستيلاء على الصندوق الانتخابي، واصدق توصيف لهذه الجماعة أنها كائن انتخابي''.
ظاهر المشهد يضع الناخبين في بلدان التغيير أمام خيارين، الإسلام السياسي المتسامح المنفتح القريب لنموذج حزب العدالة والتنمية التركي، أو الإسلام السياسي السلفي المتشدد وثيق الصلة بتنظيم القاعدة. الإسلاميون المتشددون في ليبيا قتلوا السفير الأمريكي في بنغازي ووضعوا البلد في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية التي دعمت بالسلاح ثورة ليبيا.
الصحفي المصري سيد محمود يصف السلفيين بأنهم قوة غامضة''، مشيراً إلى أنهم ''موجودون في مصر منذ عام 1912 وقد استغلتهم أجهزة الأمن لتفريغ الشحنة السياسية للشباب بدلاً من توجههم إلى تنظيم الإخوان السياسي المنظم الطامح في السلطة''.

''المساجد منابر الأحزاب الإسلامية حين كانت ممنوعة عن العمل السياسية''

وفيما يتهم الليبراليون واليساريون القوى الإسلامية بأنها قد وظفت الجمعيات الخيرية المدعومة خارجياً ومنابر المساجد لحشد الرأي العام لجانبها، يرى آخرون أن منابر المساجد متاحة للجميع ويمكن لأي قوة سياسية أن توظفها لحشد الرأي العام، على أن تكون قادرة على اعتلاء المنابر وتبني خطاب الدعاة.
وتذهب القوى المعارضة للإسلام السياسي إلى أنه يوظف أساليب لا ينبغي أن توظف في العمل السياسي لأنه يحول اتجاه الجدل من محور ما يجب إصلاحه سياسياً وطرق ذلك إلى محور من يلتزم بالإسلام ومن لا يلتزم، وإلى ذلك ذهب الدكتور محمد الظريف، خبير الجماعات الإسلامية والباحث في جامعة محمد  الخامس في حديثه إلى DWعربية مبيناً أن ''توظيف المساجد وخطبائها للقيام بحملات سياسية يقوّي حظوظ الإسلاميين في الفوز في أيّ انتخابات، خاصة وأن الجماهير غالباً ما تكون محكومة بدوافع دينية وليس بدوافع سياسية''.
وذهب الباحث المغربي الظريف إلى أن كثيرين ينادون باستبعاد الدين عن العملية السياسية باعتباره هوية المجتمع والخيط الناظم لكل القوى الاجتماعية ولا يجوز لقوة سياسية بعينها أن توظفه ضمن برامجها السياسية.
ولفت الظريف الأنظار إلى أن أحزاب الإسلام السياسي استفادت من المساجد لأنها كانت محرومة على مدى عقود من حق المشاركة في العمل السياسي، وبالتالي فإن المساجد كانت وسيلتها للتواصل مع القاعدة الجماهيرية.

''للغرب مصلحة في وصول تيار الإسلام السياسي إلى السلطة''

والى هذا أشار أيضاً الصحفي المصري سيد محمود، لكنه رفض مساواة فرص قوى اليسار والقوى الليبرالية بفرص القوى الإسلامية التي توظف منابر المساجد مشيراً إلى'' أن القوى الإسلامية تمارس دوراً تحريضياً من خلال منابر المساجد متهمة القوى اليسارية بالكفر والإلحاد وبمعاداة الله''.
وأعتبر محمود أن مرض اليسار المزمن في مصر هو ''الانقسام والتشرذم''، وهذا يعني أن هذا العامل كان حاسماً في إخراج اليسار من ساحة القوى السياسية الفاعلة في البلد.
ويرى بعض المختصين في شؤون المنطقة أن القوى الليبرالية واليسارية وحتى الأحزاب الحاكمة قد دأبت على توجيه الاتهامات إلى أحزاب الإسلام السياسي بأنها مدعومة من القوى الدينية النافذة في السعودية ودول الخليج، وحتى من الولايات المتحدة والغرب.
لكن الباحث المغربي الظريف أشار إلى أن من الصعب الحديث اليوم عن دعم أمريكي وغربي لقوى الإسلام السياسي في المنطقة، ثم عاد واستدرك بالقول: ''لكن من المؤكد أن للغرب مصلحة في وصول تيار الإسلام السياسي إلى السلطة من أجل تحقيق أهداف لم تتمكن الأنظمة السابقة من تحقيقها''.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق