السبت، 29 سبتمبر 2012

دير سانت كاترين




فى الجزء الجنوبى من سيناء تقع مدينة كاترين.. وسط حدائق الفاكهة من كل نوع وتحت سفح جبل موسى الذى ناجى عليه ربه.. يوجد دير القديسة كاترين.. هذا الدير الذى يبلغ طول سوره 85 م وعرضه 75 م وارتفاعه 11 م توجد بداخله أسرار وحكايات بعضها حقيقى والبعض الآخر يعد من الأساطير، مما جعل مدينة سانت كاترين أشهر المناطق السياحية الدينية فى سيناء، وتعتبر مكتبة الدير ثانى مكتبة دينية بعد الفاتيكان على مستوى العالم، بما تحتويه من كنوز ومخطوطات وأيقونات نادرة فلنطرق بابه العتيق لنعرف بعض هذه الحكايات. 


حكاية القديسة كاترين كاترين هى فتاة من أثرياء الإسكندرية، ويقال أن أباها كان أحد ولاة المدينة، وقد آمنت كاترين بالمسيحية، وحاولت إقناع الإمبراطور الرومانى مكسيسانوس «305 - 311» فأمر بتعذيبها تعذيبا رهيبا حتى قتلها، فأنقذها الله من آلة التعذيب، وعندئذ أمر الإمبراطور بقطع رأسها فى 25 نوفمبر عام 305، ولما انتهى عصر الشهداء نقل الرهبان جثة الشهيدة من الجبل الذى يحمل اسمها وظل هناك - كما يقال - حوالى 500 سنة حتى نقل إلى الكنيسة التى بناها الإمبراطور جوستنيان فى نهاية القرن السادس. وفى النصف الأول من القرن الحادى عشر أقام أحد النبلاء كنيسة بجوار قصره أسماها كاترين، فقد أصبحت القديسة سيدة العلماء ورجال الدين والفلاسفة، وقيل فى تاريخ «جان دارك» بطلة المقاومة فى التاريخ الفرنسى أن القديسة كاترين ظهرت لها وشجعتها على تحمل الموت فاستمرت فى المقاومة حتى حكم عليها بالموت حرقا فى 30 مايو سنة 1431 ميلادية وانتشرت ذكرى القديسة كاترين فى كل أنحاء أوروبا بعد ذلك حتى جرت العادة فى مدينة «روان» بفرنسا على أن يحتفل قسسها بإحياء ذكراها على نفس الطريق المتبعة إذ ذاك بواسطة الرهبان فى سيناء، وهى تسلق الجبال كل يوم أحد لإقامة القداس على ذكراها. 
حكاية الدير يرجع تاريخ تشييد الدير الحالى إلى عهد الإمبراطور جوستنيان فى القرن السادس الميلادى، وهو يختلف عن أديرة الصحراء الشرقية ووادى النطرون التى ترجع إلى أوائل المسيحية، وكان اهتمام الرهبان الذين استوطنوا فى جنوب سيناء هو البحث عن الطريق التى سلكها موسى عليه السلام فى المرحلة الأخيرة من رحلته إلى جبل «حوريب» أو ما عرف باسم جبل موسى، وأيضا هروبا من الاضطهاد الرومانى للمسيحيين فى القرون الأولى، فكانت سيناء تزخر بالرهبان قبل بناء الدير إلى أن زارت القديسة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين الكبير عام 237 م هذه المنطقة وأمرت بتشييد كنيسة هناك أصبحت فيما بعد جزءا من الدير، ولما أصبحت المسيحية ديانة رسمية بعد ذلك أمر جوستنيان ببناء الدير لحماية الرهبان من هجمات البدو، وقد سمى - وقتذاك - بدير السيدة العذراء فى الفترة من عام 561 إلى 565 م تخليدا لذكرى زوجة الإمبراطور جوستنيان وكان اسمها «تيدورا»، وعندما نقلت رفات القديسة كاترين إليه فى القرن التاسع أطلق عليه اسمها وأصبح يسمى دير سانت كاترين، بل سمى الجبل والمدينة بنفس الاسم. ويضم الدير مكتبة ومطعما وقلايات للرهبان وغرفا للضيافة وصالة للاحتفال، كما تنتشر داخله آبار المياه وطواحين الغلال ومعاصر الزيت والزبيب ومخازن للغلال، وغير ذلك من مستلزمات الحياة، كما يشمل الدير عدة كنائس ومسجدا به محراب وكرسى، ويرجع بناء الجامع داخل سور الدير إلى الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله، ويشير إلى ذلك نقشان أحدهما على كرسى الجامع والآخر على منبره وإن كان هناك مخطوط بالدير يشير إلى أن الجامع بنى فى عهد الحاكم بأمر الله. ومكتبة الدير عامرة بالمخطوطات، إذ تضم 2250 مخطوطا يونانيا و600 مخطوط عربى، وكذلك مخطوطات سريانية وأرمنية وقبطية وإسلامية، وتعتبر هذه المجموعة ثانى مجموعة لمخطوطات من مكتبة الفاتيكان وكان ضمنها التوراة المشهورة باسم «كوديكس ميناثوس» التى ترجع للقرن الرابع والموجودة حاليا بالمتحف البريطانى. 

ومن بين مقتنيات المكتبة فرمانات توصى برهبان الدير، من أهمها وأشهرها المخطوط الموجود بالدير وهو الوثيقة الإسلامية الموقعة من كبار الصحابة وهم: أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وغيرهم، ومكتوب بها «إلى الرهبان المسيحيين عامة.. لا نغير أسقفا من أساقفته ولا راهبا من رهبانه، ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم ولا يدخل من مال كنائسهم فى بناء مسجد، وأن تحفظ ذمتهم وبيعهم أينما كانوا من بر وبحر فى المشرق والمغرب، وفى الشمال والجنوب، وهم فى ذمتنا وميثاقنا وأمانتنا من كل مكروه». وكذلك يوجد بالدير ما لا يحصى من النفائس والمجوهرات التى قدمها الأتقياء فى مختلف العصور وبخاصة من قياصرة وأغنياء الروس إلى هذا الدير، ويرجع سر احتفاظ وتميز هذا الدير بأيقوناته التى ترجع إلى أوائل ظهور المسيحية إلى أن الجيش الرومانى الذى كان يطارد ويضطهد كل من يعتنق الديانة المسيحية كان بعيدا عن المنطقة الجبلية التى كان يختبئ فيها الرهبان. ومن أشهر المزارات داخل الدير هى «العليقة» أى الشجرة المحترقة المقدسة التى آنس موسى عندها نارا، كما جاء فى الذكر الحكيم، ومن المعجزات أن أوراق هذه الشجرة خضراء طول العام ولا ينبت مثلها، وقد حاول بعض العلماء زرع جزء منها فى أماكن أخرى وباءت المحاولة كلها بالفشل، أما الجبل المجاور للدير فهو جبل موسى كما يقال أنه صعد إليه سيدنا موسى، وتلقى فوقه ألواح الشريعة الموسوية، كما توجد داخل الدير بئر تسمى بئر موسى أيضا، والجدير بالذكر أنه بوجود كنيسة المناجاة وكنائس الدير ومسجد الحاكم بأمر الله فنجد أن المسلمين يقيمون صلواتهم بجانب إخوانهم المسيحيين، فإن ذلك يعنى اجتماع الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام فى رحاب هذا الدير. وقد صممت الكنيسة فى دير سانت كاترين على شكل البازيليكا الرومانية وأجمل ما فيها الهيكل المبنى على شكل نصف قبة رسمت عليها صورة المسيح وصور الأنبياء والرسل ومؤسس الكنيسة، وهناك صورة لموسى يتناول الوصايا العشر من يد مدت إليه من أعلى. وعلى يمين المذبح صندوق جميل من الرخام تحفظ فيه يد القديسة كاترين وجمجمتها، أما اليد فمحلاة بالخواتم النفيسة المقدمة كتبرعات وهدايا من زوار الدير، وفى قبو الممر الأوسط توجد فتحات تمثل الشمس وأشعتها والقمر فى تربيعه الأول، وهى موجهة ومائلة بشكل يجعل الشمس والقمر يخترقانها فى 25 مارس من التقويم البوليانى، وبذلك يضاء المذبح.. وهناك كميات من اللمبات الفضية والأيقونات البيزنطية وكذلك صورة الإمبراطور وزوجته ولمبات أخرى روسية الصنع من الذهب والفضة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق