الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

د. على جمعة فى مقال بواشنطن بوست: الرد العنيف على الفيلم المسىء تجاوز الحدود الدينية بشكل واضح.. والنبى محمد "ص" كان يتعامل مع الاستفزازات بصبر ومغفرة وإشفاق.. وعلى المسلمين أن يقتدوا به








د. على جمعة

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، مقالا للمفتى د. على جمعة، انتقد فيه الرد العنيف على الفيلم المسىء للرسول، وأكد خلاله على أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع الاستفزازت بصبر ومغفرة وإشفاق، داعيا المسلمين إلى الاقتداء بالرسول الكريم.

وفى مستهل مقاله، الذى نشر أولا على الموقع الإنجليزى لقناة العربية، قال المفتى: غنى عن الذكر أن العنف بأى شكل سواء كان سببه مشاعر دينية أو مصالح علمانية لا بد أن يدان إدانة قاطعة وبأقوى العبارات الممكنة. وهذا يتماشى مع أفضل تقاليد المسلمين التى تبغض الفتن الطائفية والصراعات العرقية والعنف بين الأديان. والنبى محمد صلى الله على وسلم، هو أوضح نموذج على ذلك، فقد تعرض مرارا لأسوأ معاملة من قبل أعدائه إلا أنه تجاهل باستمرار هذه الإهانات وسلك بدلا من ذلك طريق المغفرة والرحمة والشفقة.

وويضيف جمعة: يُعرف النبى عند المسلمين بأنه "رحمة للعالمين"، وهذا النموذج ملخص بإيجاز فى القرآن الكريم الذى يقول للمسلمين إن العمل الصالح لا يتساوى مع العمل الشرير، ويحثهم على أن صد الشر هو الأفضل. والعالم فى حاجة ماسة لهذه الدروس التى تمثل التعاليم الأصيلة للقرآن ولنبى الإسلام، ويشدد المفتى على ضرورة فصل هذه الرسائل النبيلة عن تلك التى انتشرت من قبل من ليس لهم كفاءة فى التفسير الدينى والتأويل القرآنى أو تاريخ الفكر الإسلامى.

ومع الأسف، فإن الوضع الحالى للعالم الإسلامى يشهد إضعاف مؤسسات وهياكل السلطة الشرعية إلى درجة أن خطاب تحريضى قد أصبح محل تحليل مدروس كدافع للعمل ودليل على المشاعر الدينية.

ويتابع المفتى قائلا: إننا اليوم فى حاجة ماسة لقادة دينيين جادين يتعاملون مع حقيقة العالم الحديث، يتكاملون مع تحدياته وصعوباته من أجل خلق بيئة يستطيع أن يتعايش الشعوب فيها. ويجب أن يكون هذا جهدا مشتركا من أعضاء كل الجماعات الإيمانية والثقافات. 

ويؤكد جمعة على أن جزءا من أى جهد من هذا القبيل يجب أن يكون الرغبة الصادقة فى فهم أسباب تقديس المسلمين للنبى. فبالنسبة لأكثر من مليار مسلم فى جميع أنحاء العالم، محمد هو قدوتهم المنشودة، والهدف الذى يريدونه، وكما يقول القرآن الكريم، أحب إليهم من أنفسهم.

ويمضى جمعة قائلا إن المسلمين يسعون للاقتداء بالرسول فى كل جوانب حياتهم، ويسعون إلى غرس القيم بطريقة عميقة. وهذا يشمل، من بين أشياء أخرى، القدرة على مواجهة الاستفزازات الشريرة بصبر وتسامح ورحمة. وبالنسبة للمسلمين، فإن هذه قيم روحية فى غاية الأهمية، وأفضل مثال لها فى حياة محمد نفسه.

ويسرد المفتى قصة شهيرة من حياة النبى وهى معروفة للمسلمين فى جميع أنحاء العالم، فقد كانت واحدة من أعدائه امرأة تقطن فى الطريق الذى يمر به يوميا، وكانت تؤذيه بإلقاء القمامة فى الطريق وهو يمر به. وفى صباح أحد الأيام، عندما كان النبى يسير بهذا الطريق، لاحظ غياب مثل هذا الاستفزاز، فما كان منه ردا على ذلك إلا أن سأل على صحة المرأة، وخشى من غيابها عن فعل ما كانت تقوم به يوميا، برغم أنه كان مؤلما له.

وقصص أن النبى كان يصلى من أجل أعدائه وأبدى صمودا هائلا فى وجه الإهانات والشتائم، وفيرة فى الأدب الإسلامى.

ويرى جمعة أن هذا يجب أن يكون نموذجا للمسلمين بلا شك. لكن مع الأسف، ليس من الممكن أن يستطيع الجميع أن يرقوا إلى المستوى المثالى، فما هو واضح أن تعلق الناس بشخصية النبى غير منقوص، حتى عندما لا يكونوا قادرين، لأسباب خاصة بهن، على الارتقاء إلى الدروس التى علمها غياهم. فسب النبى أمر خطير بشكل أكبر من سب الوالدين أو العائلة، وأكثر من سب الشخص نفسه. فمحمد شخصية مقدسة، علم المسلمين كيف يعيشون فى هذا العالم، وكان ظهوره فى العالم منحة إلهية.

وعلى هذا النحو، فإن المواد التحريضية الاستفزازية التى هدفها كما يتضح هو الإساءة لمشاعر أكثر من مليار مسلم حول العالم تساهم فى تصعيد التوتر دون وجود فائدة واضحة، ويجب على المسلمين أن يتجاهلوا هذه الاستفزازات أو يردوا عليها بشكل سلمى فى حدود دينهم، وهذه الحدود تم تجاوزها بشكل واضح فى الأيام الأخيرة، وقد انضمت المؤسسة الدينية الإسلامية وكذلك الكنيسة القبطية فى مصر للدعوة إلى الهدوء وعدم السماح بتصعيد الأمر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق