الأحد، 28 أكتوبر 2012

عفواً سيادة الرئيس.. رصيدكم أوشك على النفاد



عفواً سيادة الرئيس.. رصيدكم أوشك على النفاد


من محاسن الصدف أن الدكتور مرسى لم يأت رئيسا لمصر عن طريق إعلان وظائف خالية أو مسابقات 0900 أو بالقرعة أو بالاستفتاء أو بالتوريث أو بالتزوير، وإنما جاء بانتخابات قيل إنها كانت حرة نزيهة، لم تشهد مصر مثلها عبر تاريخها القديم والحديث، لذلك انعقدت الآمال على الرجل فى رد الحقوق لأصحابها ونصرة المهمشين والمستضعفين، حتى إن الدكتور صفوت حجازى قال عنه فى أحد المؤتمرات الانتخابية لرئاسة الجمهورية بأسوان فى مايو الماضى: «لو صرخت سيدة مصرية فى أى مكان وقالت (وااا مرساااه) فسينتفض لها مرسى من قصر القبة أو من أى مكان سيكون فيه ليقول لها لبيك يا أختاه»، وهو بتصريحه هذا يحاول أن يرتفع بنخوة وإيجابية الدكتور مرسى ليقرنها إلى شهامة الخليفة العباسى المعتصم بالله عندما استنجدت به سيدة سحلها الروم بالسوق ثم جروها إلى السجن وهى تصرخ مستنجدة: «وا معتصماه» وإذا بالخليفة بمجرد علمه بما جرى للمرأة، يجهز جيشا جرارا يحاصر به عمورية ثم يفتحها ويحرر المرأة، فهل استطاع الدكتور مرسى أن يحرر أحدا بعد وصوله إلى كرسى الرئاسة؟!
الغريب أنه منذ تحمل الرئيس مسؤولية حكم البلاد، وجميع طوائف الشعب المصرى شيوخا ورجالا ونساء يصرخون «وا مرساه»، ولم يلب سيادته إلا نداء رجال الجيش والشرطة وأساتذة الجامعات حيث زادهم من فضلة خير خزانة الدولة بما يطعم الفم كى تستحى العين، أما من دونهم فقد ولى ظهره لهم، غير مكترث بأنات المحرومين والمظلومين مكتفيا فى كثير من الأحيان ببعث رسائل الطمأنة التى تستدعى لذاكرتنا وعودا كثيرا ما تعهد بها النظام السابق ولم ينفذ منها شيئا، وكأن الزمن لم يتغير والثورة لم تندلع، وكأن هناك إصراراً على أن تظل الناس تئن وركاب الدكتور مرسى يسير، الأطباء يعتصمون منذ أكثر من 25 يوما مطالبين برفع ميزانية وزارة الصحة إلى 15% من الدخل القومى وبكادر للأطباء وبتأمين المستشفيات،
ورغم مشروعية المطالب لم يحرك الدكتور مرسى ساكنا، آلاف الرياضيين من اللاعبين والأجهزة الفنية لأندية الدورى الممتاز يطالبون الدكتور مرسى بإصدار قرار رئاسى عاجل يسمح بإعادة مسابقة الدورى العام، ورغم مشروعية المطالب لم يحرك الدكتور مرسى ساكنا، الأنكد والأمر من كل هذا قيام المعاقين باعتصام مفتوح أمام قصر الاتحادية يطالبون من خلاله بإلغاء المجلس القومى للإعاقة وتفعيل قانون 5% لضمان حقهم فى العمل وفرص الحياة الكريمة، ورغم مشروعية المطالب لم يحرك الدكتور مرسى ساكنا، بل غض الطرف عن فضيحة سحلهم وضربهم ومرمغة كرامتهم فى الشارع والتعامل معهم ليس بوصفهم أصحاب مطالب مشروعة وإنما باعتبارهم مجرمين ينبغى كسر شوكتهم قبل أن يستفحل خطرهم على المجتمع، ولا أعرف كيف استقبل سمو الرئيس مشاهد السحل هذه فى القنوات الفضائية؟ وهل نظر لنفسه فى المرآة ساعتها؟ هل أحس بأن هناك فضيحة ارتكبت فى الشارع لا تكفيها اعتذارات الدنيا وإن قدمها سيادته؟ هل تنبه ضميره وتحسر قلبه على ضرب وسحل متكئين على عكاكيز وجالسين على كراسى متحركة ومزودين بأطراف صناعية ومكفوفين ومبتورى الأيدى والأرجل؟ وهل فى الاستئساد على هؤلاء أى علاقة بالنخوة والشهامة وغيرها من القيم العظيمة التى كدنا نقرأ عليها الفاتحة؟
وإذا كان الدم قد غلى فى عروق سيادته لما رآه، ورآه معه العالم كله، فلماذا لم ينزل من قصره فورا إلى هؤلاء المعاقين وينجدهم ويقول لهم: لبيكم يا من تستحقون الرحمة فى زمن قساة القلوب، لبيكم يا من سيسألنى الله عنكم يوم لا ينفع فيه الندم؟ يا سادة، لا يعقل أن ينتظر سيادة الرئيس كى تخرج كل فئة لتتظاهر مطالبة بتحسين أوضاعها المعيشية وبكادر يخصها، لا يعقل أن ينتظر سيادة الرئيس خروج التظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات بهذه الكثافة مكتفيا إزاءها بالوعود المتفائلة والأمانى الحلوة والكلمات والخطب التى يطل علينا بها عبر المنابر والساحات والمؤتمرات دون أن يكون نصيب المواطن الغلبان منها سوى مص الأصابع حسرة على عصر مبارك.
لا يعقل أن تدار مصر ما بعد الثورة بلا قرارات ثورية تعيد الهرم المقلوب للاعتدال وتنقذ المهمشين وترد للمصريين أموالهم المنهوبة وتعيد هيكلة الأجور بما يقضى على هذا التفاوت الرهيب فى الرواتب بين العاملين فى الوظائف الحكومية ويضع حداً للتظاهرات المنتشرة فى أنحاء المحروسة. إن التغيير يحتاج لإرادة تصنع هذا التغيير والالتفات لمشكلات الناس ومحاولة السعى لحلها يجعل للحاكم رصيدا معتبرا فى قلوب الرعية ورصيد الرئيس لم ينفد بعد لكنه آخذ فى النفاد، وما لم يسع سيادته لإعادة شحن رصيده بمشاريع حقيقية ورؤى واضحة، سيصبح فى القريب العاجل خارج نطاق الخدمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق